رسالة من عدة أسطر كنت أرسلتها الى الدكتورة المحامية بهية ابو حمد، مثل كل الرسائل التي ارسلتها من قبل الى عدة مسؤولين من أجل حفظ أدبنا الاغترابي من الضياع، حولتها الى قضية وطنية عربية مشرّفة.
والقصة تبدأ في منتصف عام 2014، عندما أخبرتني الدكتورة بهية أنها مسافرة الى لبنان، حيث ستلتقي هناك ببعض الوزراء والمسؤولين اللبنانيين، فما كان مني الا أن قلت لها:
ـ هناك خدمة جليلة بإمكانك أن تقدميها للأدب المهجري في حال تمكنت من اقناع وزير الخارجية والمغتربين بإصدار أمر حكومي مبرم بإيجاد مكتبة في كل سفارة او قنصلية من أجل حفظ أدبنا الاغترابي.
وبدون أي تردد طلبت مني رسالة رسمية بهذا الخصوص كي تسلمها لمعالي الوزير، فكتبت:
سيدني في 4/6/2014
حضرة رئيسة جمعية إنماء الشعر العامي المحامية بهية ابو حمد المحترمة
تحية لبنانية اغترابية وبعد..
كنت طرحت عليك خلال المقابلة التلفزيونية التي أجريتها معك فكرة ايجاد مكتبة في القنصلية أو السفارة اللبنانية بغية حفظ نتاجنا الادبي المنشور في أستراليا، فهناك المئات من الكتب التي ستضيع، وسيلفها غبار النسيان بعد أن لفّها الضياع والتشتت وموت أصحابها.
إذا وافقوا على تنفيذ هذه الفكرة، أنا على استعداد للتبرع بكل مؤلفات الأدباء الموجودة في مكتبتي زائد الخزانة التي ستحفظ بها.
قد يسأل سائل: ومن سيقرأ هذه الكتب؟
الجواب: هذه الكتب للحفظ وليس للقراءة، انها تراث لبناني اغترابي يشرّف بلدي لبنان، ومن يدري فقد تشد الباحثين الأكاديميين لدراستها وتسليط الضوء عليها.
أتمنى يا عزيزتي بهية أن يلقى طلبي آذانا صاغية.
مع احترامي
شربل بعيني
**
ولقي طلبي آذاناً صاغية، أولاً من إنسانة صغبينية مثقفة اسمها بهية، وثانيا من وزير الخارجية والمغتربين المهندس جبران باسيل، الذي عمم القرار على باقي السفارات اللبنانية، ومن القنصل العام جورج البيطار غانم، لتشرق في قنصليتنا العامة في سيدني أول مكتبة من نوعها بتاريخنا الاغترابي على كافة بقاع الارض، تحتوي على أكثر من 450 كتاباً حتى الآن، كلها من نتاجنا هنا. والجدير بالذكر أن رئيسة جمعية انماء الشعر هي التي تبرعت بثمن الخزانة، وليس أنا كما هو مذكور في الرسالة، فألف شكر لها.
وليس هذا فحسب، بل ان "البهية" لم تكتفِ بحفظ الأدب اللبناني من الضياع، بل حملت الفكرة الى باقي القنصليات والسفارات العربية، لتشرق بالقنصلية العراقية في سيدني ثاني مكتبة لحفظ الادب العراقي المهجري، وأتمنى أن يرسل شرفاء الكلمة العراقيون كتبهم الى القنصلية بأسرع وقت ممكن.
واليكم الخبر المفرح كما وصلني:
"بتاريخ 25 / 8 / 2015 ضمن سياق مبادرة المحامية الدكتورة بهية ابو حمد، استلمت قنصلية العراق العامة في سيدني المكتبة الخاصة لحفظ الكتب واﻹنتاج الأدبي والشعري والثقافي للشعراء والكتاب والمثقفين العراقييين، جرى بحضور سعادة القنصل العام لجمهورية العراق الاستاذ باسم عباس داود، وكافة موظفي القنصلية، حيث اشادت الدكتورة ابو حمد بتكريم معالي وزير الخارجية الدكتور ابراهيم الاشيقر الجعفري ودعمه للثقافة والشعر والفكر والادب، وتشديده على أهمية التواصل بين العراق المقيم والعراق المنتشر. كما اشادت بجهود القنصلية العامة للحفاظ على التراث والشعر والأدب بين الوطن المقيم والمغترب، واﻹنتاج الأدبي والشعري والثقافي العراقي، واعربت عن املها بنجاح هذه التجربة وبالاخص كونها ستشمل جميع البعثات الدبلوماسية العربية في استراليا واﻹغتراب، كما شكرت السلك القنصلي العراقي وجميع الحضور على دعمهم ومساعدتهم لها. وبهذه المناسبة اعلنت ابو حمد عن استعدادها الدائم لخدمة العراق.
وبعدها اشاد سعادة القنصل العام بكلمة مختصرة بجهود الدكتورة ابو حمد لهذة المبادرة وانها تستحق منا كل الاحترام، متمنينا لها النجاح بمشروعها المتضمن حفظ النتاج الثقافي والشعري للجاليات العربية في استراليا. علماً ان الدكتورة ابو حمد والشاعر الاستاذ شربل بعيني بصدد تقديم مجموعة من الكتب لادباء وشعراء عراقيين في استراليا لغرض حفظها في المكتبة".
وليس هذا فحسب أيضاً، بل أن "شمس صغبين" وعدت بإيجاد مكتبة في كل بعثة عربية في أستراليا.. فكيف لا أصفّق لها، وكيف لا أرفع لها قبعتي، وكيف لا أمنحها جائزتي، وكيف لا أمدحها وأشكرها؟
فكرة بسيطة رميتها في أذنها، تحولت الى قضية وطنية تهتم بها الوزارات العربية، وتكرّمها عليها، أفلا يحق لي أن أطالب بمنحها وسام الاستحقاق اللبناني؟ بلى والله، لأنها تضحي بالوقت والمال من أجل تحقيق فكرة أطلقها لسان إنسان متألّم في بلد ما، وزمن ما.
هناك أناس كبار عملوا بصمت من أجل تذليل غربتنا، إن كان اجتماعياً او انسانياً او أدبياً أو فنياً او فلكلورياً وما على لبنان وباقي الدول سوى تكريمهم، والويل الويل لأمة لا تكرم مبدعيها.
بهية أبو حمد، وبدون أي لقب، حماك الله، ولك مني ألف خرزة زرقاء.
**