مات الأديب الكبير عصمت الأيّوبي

   رسالة الكترونية قصيرة استلمتها من ابن أخته الصديق حسن ابراهيم تقول: مات خالي عصمت الأيّوبي، أعادت الألم الى صدري، ذلك الألم الذي عانيت منه الكثير، وأجبرني على الابتعاد عن الندوات الأدبية، والاجتماعية، والناس أجمع، خوفاً من أن يصطادني على حين بغتة، ويرميني أرضاً.
   أجل، لقد تألمت طوال الليل، ورحت أبكي وأصلي، كي يرحمه الله، وكيف لا يرحمه وقد كان ملاكاً يسير بثوب انسان.
   وقد يتعجّب البعض من عنوان مقالي "مات أبي وأخي وعمي وصديقي الكبير"، فدعوني أشرح لكم ببساطة متناهية: 
   لقد تعرّفت على الاستاذ عصمت الأيّوبي في إحدى مكتبات سيدني العربية، كنت وإياه نفتّش عن كتب نقرأها، فلقد كنا مولعين باقتناء الكتب، فاقترب مني وعرّفني بنفسه:
ـ عصمت الأيّوبي، مهاجر جديد من لبنان.
   كان يتكلم وهو يقبلني ويغمرني بمحبة لم أشعر بها من قبل.. فأدركت للحال أن الله قد وهبني صديقاً كبيراً.
   ومرّت الأيام، وتوطدت الصداقة، والزيارات العائلية، حتى أوقعني الحب في بيته، الذي عشت فيه لأكثر من 16 سنة، فوجدت العم أولاً، والأخ ثانياً، الى أن أدركت أن عصمت الأيوبي أكبر من صديق، وأعظم من عم، وأحن من أخ، فلقد كان بمثابة الوالد لي، وبتنا لا نفترق أبداً، الى أن ظلمنا القدر.
   صحيح أنني ابتعدت عنه بالجسد، ولكنه بقي في قلبي، ينبض مع نبضات قلبي، وكنت أتجسس عليه عبر أصدقائنا المشتركين، خاصة وقد ودعته بعد أيام من خروجه من المستشفى.
ـ كيف حال عصمت؟ هل تحسنت صحته؟ إني أصلي له.
   وكنت أرسل له القبلات مع ابن أخته حسن ابراهيم، وكنت أعلم أنه سيفرح بها.
   فمن هو هذا العظيم من بلادي:
   شاعر، ينسكب الخيال في كل بيت شعري يخطه قلمه. 
   معلّم، تتلمذت الأجيال عليه، فعلمها الاخلاص والتضحية والوفاء.
   أديب، وناقد، واعلامي، ولغوي، ترك العديد من الكتب والمقالات السياسية والاجتماعية والنقدية، ولقد خصّني بالكثير منها في كتابه الرائع: على ضفاف الكارثة.
   ولد في قرية "النخلة" الكورة، لبنان الشمالي.
   له ثلاثة صبيان وبنت واحدة.
   أنهى دراسته الثانوية في طرابلس، والتحق مدرساً بمدارس المقاصد الاسلامية في الشمال عام 1963.
   سنة 1971، عيّن مدققاً لغوياً في جريدة "النهار" البيروتية، ونشر فيها العديد من المقالات والقصائد.
   سنة 1977، ناقش أطروحته المعدة لنيل شهادة الكفاءة التعليمية في اللغة العربية وآدابها، بعد أن أنجز في سنة 1975 الاجازة التعليمية في الاختصاص المذكور.
   سنة 1979، سافر بتزكية من دائرة الشؤون الثقافية الى سيراليون، حيث درّس في عدد من المدارس اللبنانية هناك، التي كان يسهر على ادارتها، يومذاك، سعادة السفير اللبناني الدكتور لطيف ابو الحسن.
سنة 1981، عينه السفير أبو الحسن مديراً لمدرسة اسسها في مدينة "بو".
   وبعد تنقلات عديدة استقر أديبنا الكبير في أستراليا، فحاز على جائزة جبران العالمية، وجائزة شربل بعيني من معهد الابجدية في مدينة جبيل التاريخية. وزين الندوات الثقافية بطلاته المشرقة.
   إنه، وباختصار شديد، صاحب أذكى عقل، وأكبر قلب، وأجمل ابتسامة. انه "أبو مصباح" الغالي دائماً وأبداً على قلبي.
   رحمك الله أيها الأيوبي العظيم، 
   رحمك الله أيها الجبل الذي لن يتمكن الثرى من حجب شموخه،
   رحمك الله أيها المفضل علي، وعلى الكثيرين من أمثالي،
   وأنا على يقين من أن الجنة السماوية ما وجدت إلا لأمثالك، فنم قرير العين، وتأكد من أنني لن أنساك.
   تعازي القلبية لعائلته، ولكل من تعرّفت عليه وغمرني بحنانه من عائلة الأيّوبي في الوطن والمهجر. فلقد كنتم أحبة كباراً، وخسارتنا واحدة.
**