عام 1987 التقيته وجهاً لوجه في المربد الشعري في بغداد، وعام 2015 اجتمعنا معاً في كتاب يخلّد صداقتنا الى الأبد.
صورة وحيدة جمعت بيني وبين هذا الشاعر السرياني العراقي الكبير، مازلت أحتفظ بها، رغم قدمها، لتدركوا أن الصداقة المبنية على الاحترام والتقدير لا تموت. وكيف تموت وقد رافقتها الكلمة؟
”شربل بعيني ومعاناة الهجرة“ آخر كتاب للشاعر والأديب نزار حنا الديراني، أحد أشهر الاقلام السريانية في العالم، نقل به شعري إلى لغة تاريخية، فريدة، وخالدة، إلى لغة أبدع هو بها، فأهداها لي في 124 صفحة، مع رسوم معبّرة. والجدير بالذكر أن الديراني انتقى القصائد من جميع مراحل حياتي، من يوم كنت في بداية مشواري الشعري، أي في سني المراهقة، مروراً في الأربعينيات وانتهاء بآخر ما كتبت.
صحيح أن هناك تفاوتاً في مستوى قصائدي، بسبب الخبرة، ولكن الديراني أصر على أن يعرّف القارىء السرياني على شعري، كما تُعرّف الأم وتفتخر بمراحل نمو طفلها أمام عينيها. هكذا ولدت أشعاري، وهكذا كبرت، وهكذا شاخت وتعتقت، انها الحياة ومن يتلاعب بها ستنكره الى الأبد.. لا بل سيغش القارىء والناقد.
وبما أن الديراني يعيش بعيداً في قضاء زاخو في كردستان، تسلّم أول نسخة من كتابه القيم، من كان السبب في لقائنا الثاني عبر الانترنت، انه الدكتور الصديق موفق ساوا، وها هو الديراني يعترف بفضله في احدى رسائله الى الي:
"أخي وزميلي العزيز شربل بعيني
اشكر الله والزميل موفق ساوا لان اوردتنا وشراييننا قد اتصلت بعضها بالبعض الاخر لتربط قلبينا من جديد، صدقني حين نشرت صحيفة عينكاوة دوت كوم مقالاً لصديقك الذي اشار باني ترجمت قصائدك اتصلت بالاخوة ليرسلوا لي ايميلك او من كتب الخبر لاتصل بك ولكن لم احصل على نتيجة، وحين قدمت الى استراليا مشاركا في ملتقى ثقافي سرياني في ملبورن ومن ثم القيت محاضرة وقصيدة و.. سألت هناك عنك وكذلك في سدني بعض الاخوة اللبنانيين وعدوني بانهم سيزودونني برقم هاتفك ولكن لم احصل عليه، لذا شكري الى الله اولا والى الزميل موفق الذي استطاع ان يعيد مجرى حبنا الى قناته الطبيعية".
قد أكون محظوظاً في السابق يوم ترجموا أشعاري الى الانكليزية والفرنسية والاسبانية والاوردية والفارسية، ولكنني اليوم أكثر من محظوظ، فلقد ترجمت أشعاري الى لغة أجبرت على تعلمها في صغري، كي أقرأ السنكسار الى جانب جدي ووالدي في كنيسة مجدليا، وكي أفرح قلب جدي جرجس مارون العلامة الذي تحتفظ بمخطوطاته السريانية معظم الكنائس اللبنانية.
لن أشكرك يا أخي نزار بمقال، ولا بقصيدة، بل بقبلة أخوية أطبعها على جبينك الشامخ، مع همسة في أذنك: شكراً أيها الصديق المخلص.
**
